close
دونالد ترمب واحتمالات المستقبل

دونالد ترمب واحتمالات المستقبل

دونالد ترمب واحتمالات المستقبل
دونالد ترمب واحتمالات المستقبل
دونالد ترمب واحتمالات المستقبل




قد تسجل انتخابات الرئاسة الأمريكية لسنة 2016م كأكبر مفاجأة وانقلاب سياسي في تاريخ الديمقراطيات الغربية منذ انتخاب أدولف هتلر مستشاراً لألمانيا، مما قاد إلى أكبر حرب مدمرة في تاريخ البشرية وهي الحرب العالمية الثانية التي أدت إلى مقتل ما يزيد على 48 مليون شخص.
لا أحد يعرف إذا كان انتخاب دونالد ترمب هو قدر تاريخي سيقود العالم إلى حرب عالمية أخرى، ومهما كانت نتائج مجيء ترمب إلى البيت الأبيض فهو قد حقق انقلاباً حقيقياً في النظام السياسي الأمريكي بشكل خاص وفي المجتمعات الغربية بشكل عام.
إن ظاهرة ترمب ليست ظاهرة جديدة في الولايات المتحدة، ولكنها تتويج لظاهرة الشعوبية والقومية البيضاء في الولايات المتحدة التي بدأها مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية سنة 1992م والذي كاد أن يطيح بالرئيس السابق جورج بوش في الانتخابات التمهيدية عندما هزمه في ولاية نيوهامشر، واضطرت مؤسسات الحزب الجمهوري من التأثير عليه لهزيمته، لكنه أضعف الرئيس بوش لدرجة أنه خسر الانتخابات أمام مرشح الحزب الديمقراطي بيل كلنتون سنة 1992م.
وتكر هذا المشهد مرة أخرى في الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة ونافس جون ماكين سنة 2008م ومت رامني سنة 2012م ومرة أخرى تآمر الحزب الجمهوري عليه لصالح مت رامني.
هذه التجارب التي أظهرت أن هالك جناح في الحزب الجمهوري يشكل حوالي 25 – 35% من ناشطي الحزب يدعمون توجهاً ضد مؤسسة الحزب الجمهوري، والذين يعتبرون أن النظام الرأسمالي قد أهمل الطبقة العاملة البيضاء في الولايات المتحدة.
لقد حسب ترمب حساباته بشكل ذكي وأصبح يخاطب هذه المجموعة مبكراً، ومما ساهم في تعزيز ضغوطه أن الجمهوريين الذين خاضوا الانتخابات التمهيدية كانوا 16 مرشحاً، توزعت أصوات الجمهوريين عليهم، لكن خطاب ترمب جلب الغالبية الكبرى من القوميين البيض مما أوصله إلى سدة المرشحين الجمهوريين ومن ثم إلى سدة الرئاسة.
كانت نتائج الانتخابات في تلك الليلة الانتخابات كوقع الصاعقة على المراقبين السياسيين وحتى أن الجمهوريين استسلموا لخسارة محققة في انتخابات الرئاسة وصرح قادة الجمهوريين في الكونجرس أن مهمتهم الحفاظ على سيطرتهم على مجلس النواب والشيوخ وأنهم يقرون بخسارتهم للرئاسة.
وباختصار نشرح أسباب هزيمة هيلاري كلينتون للأسباب التالية:
1 – هيلاري كلينتون كانت مرشحة ضعيفة وشعبيتها كانت دون الخمسين في المائة.
2 – فضائح ويكي ليكس والتي بدأت في نهاية شهر حزيران 2016م وحتى يوم الانتخابات.
3 – تصريح جهاز التحقيق الفيدرالي أنها تحت التحقيق قبل الانتخابات الأمريكية بعشرة أيام.
4 – العلاقة الوثيقة لهيلاري كلينتون بكبار المؤسسات المالية خصصواً أنها أعطت خطابات بقيمة 400.000$ للخطاب الواد مما أضعف من ادعائها لتمثيل الفقراء.
5 – لم تعر انتباهاً للولايات الديمقراطية الوسطى باعتبار أنها دائماً تصوت للديمقراطيين.
التحليل:
ترمب (مائة يوم من الفوضى والتخبط)
درجت العادة في المؤسسة الرئاسية الأمريكية الإعداد المبكر لبعض الوعود والإنجازات لتسجل في "إرث" المائة يوم الأولى من تسلم الرئيس مهامه، توفر قراءة مبكرة على آلية تعطيه مع التحديات والأزمات المطروحة داخلياً وخارجياً.
تعود أصول العرف الزمني لعهد نابليون دلالة على عدد الأيام التي استغرقتها رحلة عودته من منفاه وتسلم الرئاسة الفرنسية، وفق تقرير أسبوعية تايم، نيسان 2009م.
أمريكياً ابتدع الرئيس فرانكلين روزفلت التاريخ (العشوائي وغير الواقعي) عام 1933م خلال فترة الركود الاقتصادي الكبير الذي حل بالبلاد، بعد مرور مائة يوم على انعقاد دورة الكونغرس بمجلسيه بين 9 آذار – 17 حزيران، وليس لعدد الأيام التي قضاها الرئيس في منصبه، ومنذئذ دخلت المدة (العشوائية) في سردية الحملات الانتخابية الرئاسية كوعد يقطعه المرشح لما ينوي إنجازه عند الفوز بالمنصب.
كما درجت عادة الرؤساء المتعاقبين على تمديد الحكم الشعبي على الإنجازات مقارنة بالوعود لفترة إضافية، مارسها الرئيس تلو الآخر بتدشين الوعي الشعبي بمغامرات عسكرية لكسب وده ورضاه: جون كيندي أصدر أوامره لغزو كوبا في خليج الخنازير بعد 87 يوماً على رئاسته، وتفوق الاتحاد السوفييتي على الولايات المتحدة بدوران ناجح لأول إنسان بشري حول الأرض، خلفه الرئيس جونسون افتعل أزمة توريد مياه لقاعدة غوانتانامو مع كوبا، الرئيس كلينتون تميزت فترته الأولى بالغارة الفاشلة والمجزرة التي نتجت عن هجوم الشرطة الفيدرالية على مقر حركة (الداووديين) الدينية بزعامة ديفيد كوريش في مدينة واكو تكساس، تعثرت ولاية الرئيس جورج بوش الابن الأولى، نظراً لانصراف الاهتمام ناحية إعادة فرز الأصوات في ولاية فلوريدا، الرئيس أوباما استقبل ولايته الأولى بعدم الاعتراض على العدوان الإسرائيلي على غزة 2007 – 2008، والإقرار بأن إنجازاته تستعدي 10000 لتحقيقها.
على الصعيد الداخلي الصرف، يمارس ترمب مهامه الرئاسية بإصدار قرارات رئاسية متتالية (أوامر تنفيذية) لها مفعول القانون عوضاً عن اللجوء للكونجرس لإقرارها، ويعود ذلك لسببين رئيسين:
الأول: ذاتيته المفرطة لاتخاذ قرارات نافذة على الفور دون المرور بالسلطة التشريعية.
الثاني: نزعته وأقرانه الجمهوريين بعدم تحملهم وزر سياسات يرفضها الناخبون خاصة وأن البلد مقبلة على انتخابات نصفية العام المقبل يخضع لها كافة أعضاء مجلس النواب ونثلث أعضاء مجلس الشيوخ.
أطلق المرشح ترمب وعوداً كبيرة في كافة الاتجاهات، رافعاً سقف التوقعات بعيداً عن الواقع، الأمر الذي اضطره للإقرار قبل أيام بأنه لم يكن (بدرك تعقيدات المنصب الرئاسي)، أما إصدار حكم على رئاسته في هذه الفترة لا يرمي سوى تشكيل مؤشر على هفواته وإخفاقاته والتنازلات المهمة التي قدمها للمؤسسة الحاكمة، بإطلاق يد المؤسسة العسكرية في قرارات السياسة الخارجية وتهميش دور ومكانة وزارة الخارجية التقليدي.
على الطرف المقابل، سلم ترمب زمام السياسة الاقتصادية لحفنة من خمسة شخصيات أتوا جميعاً من أكبر صناديق الاستثمار في وول سترتيت (غولدمان ساكس) أبرزهم مستشاره للشؤون الإستراتيجية ستيف بانون، وزير المالية ستيف منيوشن، ونائبه المقبل جيمس دونافان – المدير التنفيذي بالوكالة للصندوق، ورئيس المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض غاوري كاون، دينا باول (من أصول مصرية) أيضاً من صندوق غولدمان ساكس.
كأن هيلاري تحكم رغم هزيمتها
التحول الرئيس في سياسات وتوجهات ترمب يمكن إيجازه بالاستدارة نحو أقطاب المؤسسة لحاكمة التي لا ينفك عن نعتها بأقسى العبارات، أبرزها أنها تنخر بالفساد ومهمته (تجفيف مستنقعاته)، بعد سلسلة إخفاقات وملاحقات قضائية لفريقه الرئاسية واستعادة التمهيد بتقديمه للمحاكمة.
الرئيس الزئبقي ترمب لم يكن يتوقع منه إنجازات أو توجهات ملموسة، في فترة زمنية وجيزة، بل تخلى بوتيرة ملفتة عن تعهداته الانتخابية الرئيسية، لكنه تحدى الآليات التقليدية للمؤسسة الحاكمة، وسرعان ما أضحى متماهياً معها ليخضع سياساته الخارجية لتوجهات القيادة العسكرية في البنتاغون وأجهزة الاستخبارات، ولم يبتعد كثيراً عن البعد الأيديولوجي والإفراط بالسردية القصصية.
أول إنجازات الرئيس ترمب كانت شنه غارة صاروخية على قاعدة عسكرية سورية (قاعدة الشعيرات)، رافقها زلة لسان ربما للناطق الرسمي باسم البيت الابيض شون سبايسر، بأن الأولوية لا زالت (زعزعة استقرار سوريا)، وهي الجملة التي أرست حدود السياسة الأمريكية نحو سوريا على الرغم من كافة الوعود السابقة بإيلاء الأولوية (لمحاربة داعش والإرهاب... والنأي عن تغيير النظم).
سياساته أضحت مثيرة للتوترات وموازية أو شبه مطابقة لسياسات أسلافه وتخليه عن لهجة التهدئة والتعايش الدولي، استفزاز الصين واتهامها بالتلاعب بسعر صرف عملتها، الانقلاب على سياسة أوباما في التريث الاستراتيجي مع كوريا الشمالية، التخلي عن وعده بعدم التدخل في سوريا، تدهور العلاقات مع روسيا، عدا عن اعتبار حلف الناتو من الماضي ثم الإشادة به.
أما وزير خارجيته ريكس تيلرسون، فحضوره في المشهد السياسي لا يوازي حجم المهام المنوطة به، فيما يخص المسألة الفلسطينية يتم التداول في واشنطن إلى أن ملف المفاوضات بأكمله انتقل من أروقة وزارة الخارجية إلى حضن نسيب ترمب، جاريد كوشنر إضافة إلى ملفي الصين والمكسيك.
ترمب في مجال السياسة الخارجية مولع بالتميز عن سلفه الرئيس أوباما والإقلاع عن الالتزامات والمحاذير الأمريكية السابقة، لا سيما فيما يخص مسألة المستوطنات (وحل الدولتين) وشرع في تجسيد معارضته للرئيس أوباما قبل تسلهم مهام منصبه بخطوات عملية.
- التصريح العلني ضد امتناع إدارة أوباما عن التصويت في مجلس الأمن حول المستوطنات.
- - المسارعة في التحدث هاتفياً مع رئيسة تايوان مما اعتبر أمر غير مسبوق في ركيزة السياسة الأمريكية التي تعتبر أن الصين مسألة واحدة.
- - الخطاب العلني المداهن لروسيا والكشف عن اتصالات مباشرة أجراها أعضاء فريقه الانتخابي ومن ثم مستشار الأمن القومي السابق مايك فلين مع موسكو.
في الشأن الداخلي تلقى ترمب وفريقه من الحزب الجمهوري صفعة قاسية لفشل مجلس النواب استصدار قرار يلغي فيه برامج الرعاية الصحية (أوباماكير) على أيدي قلة من ممثلي الحزب الجمهوري المتشددين، وسعي منذئذ للتريث والإبطاء في إنجاز قرارات تشريعية مؤثرة وكسب تأييد بعض المعارضين من داخل الصف الجمهوري.
كما تلقى ترمب وفريقه سلسلة هزائم في البعد الفضائي عقب إقدام عدد من القضاة الاتحاديين تحدي قرارات وتجميد أحدها المتعلق بحظر دخول رعايا دول عربية وإسلامية، وكذلك لتحمل الولايات المتحدة عبء الإنفاق على برامج لجوء المهاجرين ورعايتهم.
نظرة دقيقة على أوضاع الإدارة الداخلية لاستخلاص توجهات مستقبلية، آنية أو متوسطة المدى لا تبشر بالخير للرئيس ترمب، إذ إن فريقه لا تنقصه الخبرة العملياتية فحسب، بل تنخر الصراعات أقطابه المتعددة، مما حدا بترمب الاعتماد على أفراد عائلته، كريمته وزوجها تحديداً في إدارة بعض الملفات الحساسة.
عند إضافة عامل الفضائح السياسية التي تلاحق أفراد معينين في الإدارة يخرج المرء بصورة قاتمة لما ينتظر الإدارة من توجهات حقيقية، بالمقابل يلجأ ترمب إلى العدول عن اتخاذ قرارات حاسمة بنفسه والإنصات لأقطاب المؤسسة التقليدية ممثلة بوزير دفاعه جيم ماتيس ومستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر، والتماهي الشديد مع ركائز السياسات الأمريكية بوحدانية القطب العالمي.
بل لم يخجل من التصريح بعد لقائه رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بيننغ بأنه تعلم لكثير من تعقيدات الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية من ضيفه الصيني.
طبيعة ترمب وميله للتهور وسرعة الانفعال لا ينبغي تغييبها عن (التنبؤ بما لم يمكن التنبؤ به).
المؤسسة الإعلامية الضخمة التي أجمعت على توصيف ترمب بالتهور، أما تقييم (الإعلام المزيف) وفق توصيف ترمب للمؤسسة فقد أوجزته إحدى أهم ركائزه يومية واشنطن بوست بالقول: (إن ترمب بذات الآلية التي انتهجها في حملته الانتخابية: التهور وعدم الثبات على موقف محدد والصراخ العالي).
بعد مرور أكثر من مائة يوم على حكم ترمب إلا أنه من المبكر الحسم بسياساته الخارجية والتي تم صياغتها بطريقة فوضوية حتى الآن.
وهنالك صراع بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية لأخذ زمام المبادرة، وما فاجأ الكثيرين هو استبعاد (رك تلرسون) وزير الخارجية من لقاءات الرئيس الأمريكي مع رؤساء العالم الذين أتوا للولايات المتحدة للاجتماع مع الإدارة الأمريكية.
كان معتاداً وجود وزير الخارجية الأمريكي في كل اجتماعات الرئيس مع الرؤساء الزائرين، لكن تلرسون تم استبعاده في حين تواجد نائب الرئيس مايك بنس وابنته ايفانكا مع زوجها جاويد.
يوم الخميس 3 مايو قام تلرسون بأول محاولة لأخذ زمام المبادرة بالدعوة لاجتماع لكل موظفي وزارة الخارجية بحضور الإعلام، وأكد على أن الخارجية ستلعب دورها في صياغة سياسة الولايات المتحدة الخارجية.
لكن يبقى السؤال: عمن هو المسؤول عن السياسة الخارجية الأمريكية؟
1 – جنرال هربرت مارك ماستر (رئيس مجلس الأمن القومي).
جنرال جيمز ماتس (وزير الدفاع).
3 – جنرال جوزيف دنفورد.
4 – مستشار الرئيس القوي (ستيف باون).
5 – جاريد كوشنار.
6 - سباستاين جوركا (مجلس الأمن القومي).
7 – إيفانكا ترمب.
ختام:
من الصعب التكهن بمستقبل العلاقات العربية الأمريكية أو الأمريكية مع العالم الإسلامي لمزاجية الرئيس دونالد ترمب ولفراغه وانتهازيته السياسية.
وكذلك لسهولة التأثير عليه في الشأن الخارجي لمعرفته السطحية جداً في السياسة الخارجية، وإذا كان هنالك شيء شبه مؤكد فهو دخوله في مجابهة مع غيران، مجابهة سياسية على الأقل، ولكن قد تصل إلى مجابهة عسكرية.
فبرغم خلافات مساعديه على طبيعة العلاقات الأمريكية مع معظم دول العالم، إلا أن جميعهم متفقون في الموضوع الإيراني، وقد لا يكون الانتظار طويلاً فقط علينا أن نراقب عن كثب تصاعد التدخل الإيراني في الأزمة اليمنية.
في الختام نحن أمام إدارة مختلفة لا تصدر قراراتها بالطرق المعتادة، ويتحكم فيها الكثير من المزاجية والمشاعر الهوجاء، ورغم وجود مجموعة صغيرة من المحترفين حول الرئيس، إلا أن التكتل الأيديولوجي المحيط فيه على صغر حجمه إلا أن تأثيره هائل على الرئيس وهو المدين لهم بالوصول إلى سدة البيت الأبيض.

شارك الموضوع إذا أعجبك :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق